لم تر "مي زيادة"؛ "جبران خليل جبران" في حياتها ولا مرة، كان مجرد خيال وحبيب تتواصل معه عبر رسائل كونت كتاباً ضخماً. أحب كل منهما الآخر بعمق، وكان حبهما يمتزج بوجع الشوق واللهفة والحنين.. ومع ذلك لم تسنح لهما الفرصة أن يلتقيا أبدا.
هذا الحب الموجع الذي بلا لقاء ينتشر بيننا هذه الأيام في أكثر من حكاية، عبر الشبكة العنكبوتية ورسائل الهاتف الجوال. يلتقي الاثنان عبر نافذة المحادثة في الإنترنت، يشعر كل منهما بالإنجذاب للآخر، يتابعان الحديث في شؤونهما الخاصة والعامة من دون أن يشعرا أن الوقت يسرق منهما كل متطلبات الحياة الثانية.
يحاول كل منهما أن يمهد طريقا للقّاء. لكن ظروف الوضع الأمني تمنعهما فيبقى كل منهما في مكانه تجمعهما نافذة المحادثة، يختلفان أحيانا، يتشاجران في أحيان أخرى، يلجأن إلى بث همومهما وأحلامهما، يقترب كل منهما من الآخر نفسيا، تشعر أن حياتها متعلقة بهذه النافذة الصغيرة، ويشعر أن كل همومه تغلفها النافذة الصغيرة في لقائهما الحواري المكتوب، لا يخجلان من ذكر أي شيء وفي أي موضوع، يلتزم كل منهما بالصراحة والحقيقة، لكن الفضول والشوق ينزرعان في داخلهما ويبحثان عن فرصة للقاء.
تقول مي بعفوية وبساطة: لقد أحببته فعلاً من حواره الشفاف معي، أشعر أنه صادق ودافئ وطيب وكريم النفس.
ويقول هو: أشعر بأنها تحتويني بدفء الأنثى التي أبحث عنها. تشعرني بالحاجة إليها كالطفل تماماً، أصبحت جزءاً مهماً في حياتي، وأصبح الحاسوب أكثر الأجهزة أهمية لي فهو وسيلتي للتواصل مع من أحببت!
ولا نعيش الاستغراب حين نسمع نفس الحكاية من كثير من الشباب والشابات، هل هو حب إلكتروني إذن؟
نتساءل ما الذي يدعو الإنسان لمثل هذا الحب وهو يعيش وسط مجتمع طلابي أو وظيفي ومعه الطرف الآخر الذي من الممكن أن يراه ويجلس معه ويفهمه ويحبه! أم كل هؤلاء لم يصلوا إلى تركيبته النفسية وإحساساته، فكان الطرف الآخر في عالم المحادثة الإلكترونية الأقرب إلى نفسه؟
قد تكون هذه هي الحقيقة الأقرب للمنطق، حيث إن الحب بين اثنين قد يتكون ويكبر حتى عبر خطوط الهاتف ويقتحم خطوط الشبكات العنكبوتية ليلتقي قلبان يبحث كل منهما عن الآخر!
جميل أن نقع في الحب، نمارسه بحنكة وإنسانية وتواصل، والأجمل أن نجد من يستمع لدواخلنا الإنسانية من دون حرج ونحاول أن نقدم كل ما بوسعنا من أجل الآخر حتى لو كان حبيبا في الإنترنت.
قد يبتسم البعض ولا يصدق الأمر، وقد يتهم البعض الآخر هذه الأجهزة بـ"المسخرة وقلة الأدب"، وقد يعدها آخرون أجهزة تمنح فرصة للباحثين عن المتعة الوقتية والكذب والتجول بين الناس بحرية غير محسوبة، وقد.. وقد...
لكل رأيه ولكل طريقته.. لكن الشيء المهم الذي لا يستطيع أحد إنكاره أن الإحاسيس الإنسانية الجميلة قد تتدفق رغماً عن البعض حين يجد من يشابهه بتلك الأحاسيس، ورويدا رويدا يكتشف أن من يحادثه أقرب الى نفسه وعقله وقلبه.. وتبدأ مشاعر الحب تتجول بهدوء في النفس الإنسانية، والعين تبحث عن الأيقونة المضيئة في جدول المحادثة، لتشعر بفرح حقيقي حين تضيء الأيقونة معلنة عن وجود الآخر وتبدأ الدردشة الحميمة، ويبدأ الحب ينشر جناحيه وتهتز الشبكة العنكبوتية طربا أحيانا وإشفاقاً أحيانا أخرى على حب بين اثنين، كل منهما في مكان يتحرقان لبعضهما شوقاً وألماً ووجعاً.
احترامى وتقديرى لكل من ذااق
هاذا الوجع وفهم معناه
مودتى