حياة مليئة بالألوان والألوان أحمر أخضر أصفر ........ جبال أشجار ظلال عصافير بيوت شوارع والكثير الكثير من معالم الحياة
إلا إن حكيم منذ ولادته أي منذ عام 1980 وهو يعيش في عالم كعلبة ألوان تحمل 3 أقلام أولها أسود وأخرها أسود وما بينهما أسود
معنى الحياة والدنيا في نظره هو أمه وصديقه الوحيد والظلام فقط لا غير
فأمه هو الشئ الذي يعيش به وله رغم عدم حيلته في شئ ولكنه يحاول أن يسعدها حتى ولو بإبتسامة لم يستطع رؤيتها ترتسم على شفتاه طول عمره
وصديقه كان مسجل الأشرطة فما كان له صديق غيره فكل أحلامه وأفكاره وأحزانه وأفراحه رغم قلتها كان يستمع لها ذلك الجهاز الجامد ........ فقد كان حكيم يسجل كل حرف له
على ذلك الجهاز وهو في قمة السعادة بذلك ........ فصديقة دائم السكوت مستمع رائع لا يكل من الإنصات وفيٌ دائماً موجود عديم الشكوى كاتم للأسرار ......... بجملة واحدة
يحمل من الصفات ما يصعب إجتماعها في بشر
هكذا كانت حياة حكيم ليله ليل ونهاره ليل ........ يطير فرحاً عندما يستمع إلى حكايات والدته وهي تحكي عن والده وتحكي له عن الجيران والحياة في الخارج
وكان يحاول أن يرسم لكل شئ لوحة في عالمه المظلم ......... وكان يسأل والدته كيف هو الأصفر كيف هو الأحمر كيف هو البحر ما هي المياه !!!!!!!
ورغم حسرة الأم على إبنها ولكنها حاولت أن تروي عطش إبنها لهذه الدنيا
وفي يوم مظلم كأي يوم من أيام حكيم المظلمة
لم يصحُ على صوت أمه كأي صباح ولكنه إستفاق على صوت أحد أقاربه
توفيت الوالدة
كان ذلك اليوم عند حكيم أكثراً ظلمة من أي يوم آخر
لم يبق له سوى صديقه الوفي وكانت عمته تزوره لتطمئن على حاله
كل يوم يجلس أمام ذلك الجهاز ويشكو همه من ظلمة أيامه وظلمة أفكاره ...................... فكر ولأول مرة في محاولة الخروج للعالم الخارجي ولكن حبه لحياته
وعشقه للظلام منعه من ذلك
فظل كالمجنون بين طيات الظلام مسجون وفي عالمه هو وجهازه حزين ومكسور
ثم أخيراً قرر أن يبوح ولأول مرة لصديقه بأهم ما قرر
صديقي العزيز :
أشكرك على صبرك معي طوال هذه السنين وأشكر لك وفائك الدائم وحفظك لكل حرف خرج من بين شفتي
ولكنني قررت أن أنتهي من هذا الظلام سأرحل من هذه الدنيا التي لم تمنحني إلا صوتاً وسمعاً ولكنها حرمتني بصراً منذ ولادتي
منحتني أماً هي قمة الحنان منحتني صديقاً رائع ولكن للأسف لست ببشر
يا لمهزلة الزمن لا أُبصر ولا أملك ما أعيش لأجله إلا جهاز جامد لا يشعر ولا ينطق
وداعاً أيها الصديق ورغم حبي لك ولكنني أكثر من يعلم إنك لم تشعر في يوم بما أشتكي به ولم تسمع في يوم ما أقول بل فقط تسجل وتحفظ في أشرطة لا حول لها ولا قوة
آه يا زمن
وداعاً أيها الظلام
وداعاً يا بيتنا
وداعاً يا دنياي المظلمة
وما كان للعمة في اليوم التالي إلا إنها وجدت حكيم معلقا وسط غرفته أمامه جهازه الصامت وحوله أشرطته التي تحمل كل حياته