ظلت ساهرة إلى ساعة متأخرة من الليل و هي تنتظر إتصاله بفارغ الصبر، فلقد وعدها حبيب قلبها أحمد بأن يفتح موضوع زوجهما مع أهله هذه الليلة، فلعل و عسـى أن يوفَّق هذه المرة في إنتزاع مباركتهم، و حتى يرحموا قلبها من لوعة نار الفراق المتأججة، و التي لا يخفف وطأتها سوى إتصاله بها بين الفينة و الأخرى ليواسيها بكلماته العذبة.
بدأت نبضات قلبها في التسارع، أما يدها فكانت ترتجف و هي تمسك بهاتفها النقال الذي أهداها إياه أحمد، فهي من أسرة فقيرة بالكاد توفر قوت يومها، مما كون في أعماقها السحيقة عقدة منذ الصغر و هي تشاهد البنات اللواتي في سنها يرتدين أبهى الحلل، و يشترين ما اشتهت أنفسهن، في حين كانت تكتفي هي بالتمني، و مع ذلك لم تتوقع في يوم أن يطاردها شبح الفقر، ليشكل عائقا بين عائلتها الفقيرة، و بين عائلة حبيبها أحمد التي تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية.
نعم، رن الهاتف ليتدفق أدرينالين القلق في عروق جسدها الخائف، ثم أجابت و هي تقول بانكسار خاطر : مرحبا أحمد.
فقاطعها و هو يقول :
- أبشري حبيبتي لقد وافق والداي على زواجنا، وبعد غد سنزوركم من أجل عقد الخطبة وقراءة الفاتحة.
أجابت و الدموع تملأ عينيها: حمدا لله.
و بعد أن ودعها سرعان ما عادت لها هواجسها بخصوص إستقبال أهله، فحالة المنزل تعكس فقرهم و بؤسهم المزري من أول نظرة. بالإضافة إلى أن أبوها مجرد رجل أمي بسيط الحديث و الملبس، و يتصرف بتلقائية...
و مر اليوم على خلاف ما كانت تتوقعه، وسط الفرحة العارمة و الزغاريد المدوية و الإبتسامات المتبادلة، فتنهدت أمل تنهيدة الراحة و الطمأنينة.
حدد موعد العرس بعد ثلاثة أشهر، لتبدأ معاناتها و هي تحاول إيجاد حل لمتطلبات العرس و مصاريفه كالفستان و الحلويات، و الأهم من هذا كله توفير قاعة للمناسبات تسع كل المدعوين، فمن عادات بلدتهم و تقاليدها أن تكاليف العرس تقع على عاتق العروسة و أهلها. أما عن مبلغ المال الذي إقترضته أمها، فبالكاد كان يكفي لتغطية مصاريف مستلزمات الحفل، علمت جارتهم راشيل بالأمر فأعارتهم منزلها الكبير من أجل إقامة الزفاف عندها.
و مع إقتراب موعد الزفاف، أنستها فرحتها العارمة التعب و الإرهاق الذي ألم بجسدها، ففي الغد ستجتمع بحبيب قلبها في عش الزوجية، فلطالما حلما بتلك الليلة المباركة و التي ستغير حياتهما و نمط عيشهما.
بدأ العرس و السعادة تغمر كلا العروسين، كما أن البهجة و السرور كانت بادية على وجوه كل المدعوين، بالإضافة إلى أصوات الموسيقى التي كانت تملأ المكان بالحياة، كأنه عيد ميلاد لحياة جديدة سعيدة لا علاقة لها برواسب الماضي.
في اليوم الموالي من الزفاف نشرت الجرائد و القنوات الفضائية خبراً مفجعاً عن إنفجار مهول وقع في منزل تمتلكه مواطنة يهودية تدعى راشيل، و دمره بالكامل و قتل كل من كان بداخله، و بذلك تحول العرس إلـى كارثة بكل المقاييس، و بقيت أطلال المنزل كنصب تذكار لأحلام و أماني أمل، نحته سوء الحظ بإزميل خيبة الأمل.